عليكم بالعلم


قال القرطبي رحمه الله : قال الزجاج : أي كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي . وقوله تعالى ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾.
قال ابن القيم رحمه الله : فما ثم إلا عالم أو أعمى . وقال حميد بن عبد الرحمن سمعت معاوية خطيباً يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين . وإنما أنا قاسم ، والله يعطى ، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله» رواه البخاري ومسلم .
وعند الترمذي وغيره بسند حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً ، سهل الله له طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظً وافر».
 وروى الترمذي بسند صحيح عن أبي أمامه قال : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان : أحدهما عابد والآخر عالم فقال عليه أفضل الصلاة والسلام : «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» ثم قال «إن الله وملائكته ، وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير».
 قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : تعلموا العلم ، فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، وهو الأنيس في الوحدة ، والصاحب في الخلوة ، والدليل على السراء ، والمعين على الضراء ، والوزير عند الأخلاء ، والقريب عند الغرماء ، ومنار سبيل الجنة ، يرفع الله به أقواماً ، فيجعلهم في الخير قادة وسادة يقتدي بهم ، أدلة في الخير ، تقتص آثارهم ، وترمق أفعالهم ، وترغب الملائكة في خلتهم ، وبأجنحتهم تمسحهم ، يستغفر لهم كل رطب ويابس ، حتى حيتان البحر وهوامه ، وسباع البر وأنعامه ، والسماء ونجومها ، والعلم حياة القلوب من العمى ، ونور للأبصار من الظلم ، وقوة للأبدان من الضعف. وقال ابن مسعود رضي الله عنه : عليكم بالعلم قبل أن يرفع ، ورفعه هلاك العلماء فوالذي نفسي بيده ليودن رجال قتلوا في سبيل الله شهداء ، أن يبعثهم الله علماء لما يرون من كرامتهم وإن أحداً لم يولد عالماً وإنما العلم بالتعلم .
 وروى كميل بن زياد قال : أخذ على بن أبي طالب رضي الله عنه بيدي , فأخرجني ناحية الجبانة ، فلما أسحر جعل يتنفس ثم قال : يا كميل بن زياد القلوب أوعية , فخيرها أوعاها ، احفظ عني ما أقول لك ، الناس ثلاثة فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، العلم خيرٌ من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال . العلم يزكو على الإنفاق ، والمال تنقصه النفقة ، العلم حاكم والمال محكوم عليه ، ومحبة العلم دين يدان بها ، العلم يكسب الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، وصنيعة المال تزول بزواله ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقى الدهر …. إلى أن قال : لن تخلو الأرض من قائم لله بحججه لكيلا تبطل حجج الله وبيناته ، أولئك الأقلون عدداً ، الأعظمون عند الله قدراً ، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فاستلانوا منه ما استوعر منه المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه ، ودعاته إلى دنيه ، هاه هاه شوقاً إلى رؤيتهم ، وأستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2015 ©